الرئيسية / كلمة منفعة / مقالات إيمانية / العدالة الإلهية والعدالة البشرية للقديس باييسيوس الآثوسي

العدالة الإلهية والعدالة البشرية للقديس باييسيوس الآثوسي

ياروندا: ماهي العدالة الإلهية؟

العدالة الإلهية هي أن تفعلي ما يريح الآخر. هي أن تعطي الآخر، ليس فقط نصف ما تملكين، وإنما قدر ما يشاء، هي أن تعطي الجيد وتُبقي على الفاسد. أن تعطي الكمّية الكبرى وتبقي على الكمية الصغرى. أن تعطي دون حساب. لنفترض أن أختاً أحضرت لنا عشر خوخات. إن تقاسمنا مناصفةً هذه الخوخات نكون في حيّز العدالة البشرية. أمّا إذا رأيتُ أنك تحبين الخوخ وأكتفي بواحدةٍ وأترك لك البقية مدّعياً أنني لا أحب الخوخ ومتظاهراً بأنه يؤلم معدتي ويُضرّ أمعائي، فأكون حينئذٍ في حيّز العدالة الإلهية.

إذاً ماهي العدالة البشرية؟

هي أن تتقاسمي شيئاً مع أحد، فتعطيه النصف وتحتفظي بالنصف الآخر.

يا روندا ماهي مكانة العدالة البشرية في الحياة الروحية؟

العدالة البشرية ليست للناس الروحانيين، هي مكباحٌ للناس العالميين. الإنسان الروحاني لا يسعى إليها وإلا عُدّ مغفلاً، لأنها مقارنةً مع العدالة الإلهية_ صفرٌ. والإنسان العالميّ الذي يطبّق العدالة البشرية في هذه الحياة لا يذوق طعم الراحة ولا يشعر بالفرح الحقيقيّ. لنفترض أن اخوين يملكان أرضاً مساحتها عشرة آلاف متر مربع. العدالة البشرية تقتضي بأن يأخذ كل منهما خمسة آلاف مترٍ مربع. العدالة الإلهية تقضي بأن يأخذ كلٌّ منهما ما يحتاج إليه. فإن كان أحد الأخوة يشغل وظيفةً أقل شأناً من وظيفة أخيه أو كان عدد أفراد عائلته أكبر بكثيرٍ من عدد أفراد عائلة أخيه، عندها يجب أن يأخذ الحصّة الكبرى. فمن الظلم أن يتقاسم الاثنان مناصفةً قطعة هذه الأرض. لكن الإنسان العالمي لا يهتم بأخيه الذي يواجه صعوباتٍ معيشيةً. لا يفهم أن القسمة المزمع أن يقوم بها غيرُ منصفةٍ، فهو لا يفكر روحياً. وإن أبديت له ملاحظةً تقول بأن عليه مساعدة أخيه المحتاج بإعطائه حصةً أكبر، يجيبك بأنني لا أظلمه إن كان إنساناً روحانياً فإن عليه أن يقبل بقسمة أخيه ولو كانت حصته ألف متر مربع ( حصة واحدة من أصل عشر حصص)، وعليه أن يُقنع زوجته وأولاده بذلك ولو أبدوا اعتراضاً. كما أن عليه أن يلازم الصمت كي يشعر أخوه براحة البال. لقد لفتني نُبل ابراهيم. فعندما اشتد الخصام بين رعاة ابراهيم ورعاة لوط من أجل أرضٍ، مضى ابراهيم إلى لوط وقال له: ” نحن رجلان أخوان لذا يجب أن لا نتخاصم. أين يروق لك أن تذهب؟” تحرّك لوط بشرياً واختار أرض صادوم وعمورة كونها خضراء خصبةً صالحةً للرعي. أما ابراهيم فتحرك في حيّز العدالة الإلهية وفرح لاختيار لوط الأرض الأفضل وأراد تأمين الراحة لأخيه لوط. ولكن… ماذا حلّ بلوط أخيراً؟ (تك 13: 1- 13)

حكم الله العادل

ياروندا! ما هو حكم الله العادل؟

حكم الله العادل هو طول أناةٍ، تواضع ومحبة. الله كثير العدل، لكنه كثير الرأفة ورأفته تغلب عدالته. سأسوق لك مثلاً لتفهمي: إن لم يتسنّ لأحدٍ أن يعرف الله ويسمع عنه فإنه لا يُحاكَم بحسب الحالة التي وُجد فيها، وإنما بحسب الحالة التي سينوجد فيها لو عرف الله. وإلا فإن الإله لن يكون عادلاً. العدالة الإلهية تختلف مقاييسها الحسابية عن غيرها، فواحد زائد واحد لن يساوي، بالضرورة وبشكل دائم، اثنين.

يا روندا! كيف تُطَبَّق العدالة الإلهية على شخصٍ أذنب؟

العدالة البشرية تفرض عقوبةً على ذنبٍ اقتُرف. العدالة الإلهية تقول: عرفتِ خطأك وتبتِ؟ حسناً، تنالين الغفران

القانون البشري يحكم بلينٍ على إنسانٍ اقترف جرماً وتتاب بصدقٍ وبادر إلى تسليم نفسه من تلقاء ذاته. فإن كان البشر يحكمون بلينٍ، فكم بالأحرى الله القاضي العادل الكثير الرأفة!!

نحن بين أيدي الله. إنه يتابعنا بدقةٍ ويعرف قلب كلّ واحدٍ منا. وبما أن العدالة الإلهية والثواب الإلهي موجودان والله يحبنا_ وهذا هو الأهم_ فكل أمر حسنٍ يقوم به الإنسان لا يذهب سدى. لذا فإن من يطلب أن يُبرَّر من البشر هو تائهٌ ضعيفُ.

ما لفت انتباهي، هو أن الإنسان عندما يظلم ويطبق العدالة الإلهية فإن الله يبرره في هذه الحياة الدنيا أيضا. عندما كنّا في الجيش جاء القائد بعد انتهاء الحرب وقلّد بعض الجنود أوسمةً. كنت غائباً في ذلك اليوم، وعندما جاء دوري تقدم جندي من تساليا و أخذ الوسام. لازم الجنود الآخرون الصمت خوفاً من تعرّض ذلك الجندي للحبس لأنه كذّب. بعد ذهاب القائد اختبأ ذلك الجندي خوفاً من تعرّضه للضرب على يد رفاقه. وعندما عدت، ازداد خوفه فجاء إليّ وقا لي: ” سامحني! لقد فعلت كذا وكذا!”، أجبته: ” حسناً فعلت وأخذت الوسام إذ ما حاجتي إليه؟” اطمأنّ وراح يلبسه في الاستعراضات العسكرية. بعد أربعين سنة، جاء إلى دير السوروتي قائد الجيش من تساليا ليقدّم لي وسام الاسكندر الكبير. عندما رأيته ارتسمت بسمةُ على شفتي. ماذا! بعد أربعين سنة! لاحظي: الجندي الذي أخذ الوسام كان من تساليا وقائد الجيش جاء من تساليا.

أرأيت كيف تحدث الأمور! إن طالبنا التبرير نخسر الأمور هنا، كما تخسر ما يُعدُّه لنا المسيح في الحياة الأخرى. لأمورٍ دنيويةٍ تافهةٍ قد نخسر أموراً أبديةً أكثر أهمية. فالأمور التافهة على الأرض لن تكون لها قيمةٌ في السماء!

عن admin

شاهد أيضاً

تربية الأطفال في تعليم القديس يوحنا ذهبي الفم

فحص البواعث التي تحركنا إن الأب * يفكر في كل الوسائل، ليس التي بها يوجه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *