افرحي، يا من بها سيشرق الفرح: الفرح موضوعٌ أساسيٌّ في حياتنا، فالإنسان خلق ليتمتع بفرح العيش في الفردوس من خلال شركته مع الله ولكنه أخطأ والنتيجة كانت إخراجه من الفردوس. عندها أحس الإنسان بالفراغ الكبير بسبب غياب الفرح، وأصبح يبحث عن أثرٍ له أينما ذهب. الفرح الكامل هو حالةٌ داخليةٌ وخارجية في الوقت نفسه، إذ ينبع من أعماق القلب، وعلينا ألا ننسى وجود نوعين من الفرح : حقيقي ومزيف، فرح الكنيسة وفرح العالم، فرح الطهارة والقداسة وفرح الدنس والرجاسة. ما هو فرح المسيح؟ كيف نميزه عن الفرح الدنيوي؟ فرح المسيح له صفتان الأولى هي الاستمرارية والثبات، ” ولا ينزع أحد فرحكم منكم” (يو 16 :22). والثانية هي الكمال، ” وأتكلم في العالم ليكون لهم فرحي كاملاً فيهم” (يو 17 :13). أنعم الله بمواهب ثلاثة عظيمة وهي المحبة والفرح والسلام على تلاميذه وهي الثمار الأولى للروح القدس، من هنا ندرك سبب إشعاع وإشراق الفرح من والدة الإله الكلية القداسة! واستطاعت أن تحمل في حشاها مانح الفرح الحقيقي. وكما قال القديس يوحنا اللاهوتي في رؤياه: ” وظهرت آيةٌ عظيمةٌ في السماء امرأةٌ متسربلةٌ بالشمس” (رؤ 12 :1). ونقول في صلاة البراكليسي الصغير: ” أيتها العذراء، املئي قلوبنا فرحاً يا من قبلت ملء الفرح” وكل من يسعى للفرح لن يجد أمامه سوى الانحناء بإكرام أمام شخص العذراء مريم الفائقة القداسة والممتلئة نعمة لأنه سيجد الفرح الحقيقي في أبهى حلله وأرفع وأسمى درجاته.
افرحي، يا من بها ستُباد اللعنة: أصبحت الفائقة القداسة شريكة وعاملة مع الله لتحقيق البشارة الأولى التي وردت في سفر التكوين: ” هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه” (تك 3 :15). بمشاركة العذراء يتم سحق الشرير حتى نتحرر جميعنا من “لعنة الخطيئة”. تظهر العذراء مريم منقذةً ومحررةً الجنس البشري من خلال طاعتها الحرّة للدعوة الإلهية. تُكرَّم وتُعظَّم الفائقة القداسة من قبل الكنيسة نظراً لعلاقتها المميزة مع المخلص. ذلك أن كلمة الله أخذ من دمها الخاص ليصبح إنساناً وسكب هذا الدم على الصليب من أجلنا. حياتنا في “وادي الأحزان” لكن المسيحيين يعيشون سرّاً ما، إذ يحفظون فرح المسيح في وسط الأحزان والآلام. وإذ يجلب فرح العالم في كثير من المرات حزناً ما، على العكس من ذلك يصبح الحزن بهيّاً ومُفرحاً في أحضان الإيمان، وأيضاً الحزن الناتج عن الخطيئة التي هي أصل وسبب كافة آلام حياتنا فإنه يتلاشى في رحاب الإيمان لأن دم يسوع المهراق ” يطهرنا من كل خطيئةٍ” (1 يو 1 :7) من خلال التوبة الصادقة وعيش الحياة الأسرارية الكنسية، نتحرر من ثقل خطايانا ونعيش هذا الفرح وعندما يعيش الإنسان المصالحة مع الله فكل الآلام والمشاكل لن تبعد عنه فرح المسيح وتصبح هذه الآلام بمثابة صليب للإنسان المؤمن، ومن خلاله يعبر إلى القيامة.
افرحي، يا استدعاء آدم الساقط، افرحي يا إنقاذ حواء من الدموع: إلى أين وصل الإنسان الأول ، أي آدم وحواء؟ هل نالا الخلاص أو بقيا في الجحيم؟ الإجابة المؤكدة تقدمها لنا الكنيسة: نعم،ن لقد نال آدم وحواء الخلاص! أصبحت والدة الإله سبباً لعودة آدم من الفردوس الذي طُردَ منه بعد السقوط وسبباً لإنقاذ حواء من الدموع والألم. لقد جبل الله الإنسان رجلاً وامرأةً، وبواسطة هذا الزوج خلق الجنس البشري. تنحدر البشرية إذاً من آدم وحواء اللذين من خلالهما تسرّبت إلينا الخطيئة و” مرضت الطبيعة البشرية بعصيان آدم، وهكذا صار الكثيرون خطأة. ليس كأنهم شاركوا آدم بل لأنهم كانوا من طبيعته التي سقطت تحت الخطيئة. مرضت إذاً الطبيعة البشرية في آدم بفساد العصيان فدخلت فيها الأهواء” ( القديس كيرلس الاسكندري). عندما أتت الساعة وارتفع يسوع على الصليب سكب دمه المقدّس والمحيي، فامتدّت قوّة هذا الدم الخلاصية والمطهرة إلى الماضي والحاضر والمستقبل. كم هي عظيمةٌ قوّة محبة الله! وكم هي محييّة قوة دمه وغزارة رحمته! بدمه استطاع أن يخلّص الانسانية بأسرها من خطاياها. يتطرّق القديس بطرس الرسول في رسالته الأولى إلى ” نزول المسيح إلى الجحيم” وكرازته ” للأرواح التي في السجن” (1 بط 3 : 19-20) من بينهم البشر الذين عاشوا في أيام نوح حيث لم يستثنِ أحداً من إمكانية الإيمان به. لكن من المؤكَّد أن أول المخلصين كانا الجدين الأولين آدم وحواء. و أيقونة القيامة تبرز هذه الحقيقة. واكتمل هذا المخطط بنجاح من خلال الدور الاستثنائي والفريد سيدتنا والدة الإله الكلية القداسة، إنها المرأة التي منحت السيد المسيح طبيعةً بشريةً فصار الإله من خلالها إلهاً متأنساً. الأمر المدهش في نبوءة أن نسل المرأة سيسحق الشيطان. من هي هذه المرأة؟ ولماذا يتكلم الله عن نسل امرأةٍ لا عن نسل رجلٍ؟
يفسّر الآباء بوضوح هذه النبوءة التي تشير إلى السيدة العذراء التي بغير زرع رجلٍ وبحلول الروح القدس ستلد يسوع المسيح. هو سيسحق رأس الشيطان فيما لن يتمكن الشيطان إلا من إيذاء عقبه، إذ سيذوق المسيح الموت طوعاً لثلاثة أيام. هكذا منذ اللحظة الأولى التي تغرب فيها الإنسان عن الفردوس ظهرت صورة والدة الإله لتخفف الألم عن الجدين الأولين وتزرع في قلبيهما رجاء العودة.
المرجع: كتاب يا ذات كل مديح