الرئيسية / كلمة منفعة / مقالات إيمانية / مريم المجدلية عند القبر الفارغ (العظة 86 للقديس يوحنا ذهبي الفم)

مريم المجدلية عند القبر الفارغ (العظة 86 للقديس يوحنا ذهبي الفم)

” فمضى التلميذان أيضاً إلى موضعهما. أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجاً تبكى” (يو 20: 11,10)

إن جنس المرأة ممتلئ _ بطريقة ما_ بالأحاسيس والمشاعر، ومهيأ أكثر من الرجال للإشفاق والعطف. أقول هذا، حتى لا يأخذكم العجب كيف أن مريم كانت تبكي بمرارة عند القبر بينما لم يكن بطرس متأثراً على نفس النحو. لأن الانجيل يذكر أن التلميذين ذهبا إلى موضعهما بينما ظلت هي واقفة تذرف الدموع. ذلك لأن طبيعتها مرهفة وضعيفة كما أنها لم تكن بعد تدرك الأمور الخاصة بالقيامة. بينما التلميذان وبعد أن شاهدا بعيونهما الأكفان، آمنا، ومضيا إلى منزلهما وهما في ذهول ودهشة. ولكن لماذا لم يتوجها مباشرةً إلى الجليل وذلك حسبما أمرهما السيد المسيح قبل أن يتألم؟ ربما كانا في انتظار الآخرين، كما أنهما كانا في قمة الدهشة والاستغراب، أما مريم فقد ظلت واقفة عند القبر، وكأن مجرد رؤيتها للقبر قادرة على تعزيتها وعلى أي الأحوال، نراها،

” وفيما هي تبكي إنحنت إلى القبر” (يو20: 12) وكأنها تريد أن تشاهد المكان الذي كان يضم جسد المسيح. وحقاً لم تكن جائزتها بالقليل على هذا الحماس، لأن ما لم يره التلميذان رأته هذه المرأة قبلا منهما، أي الملاكين الجالسين واحد عند الرأس والآخر عند القدمين في ثياب بيضاء يشع منهما النور والفرح. ولأن تفكيرها لم يرتفع إلى الحد الذي فيه تدرك حدوث القيامة من مجرد رؤية المنديل الملفوف، لذلك فقد حدث أن رأت ما هو أكثر، الملائكة جالسة في ثياب مضيئة، وذلك بغرض انتشالها من حزنها الشديد، ومواساتها. وإن لم يقولا لها شيئاً يتعلق بالقيامة، ولكنها كانت تُقاد وعلى مهل إلى تلك الفكرة ورأت وجوهاً لامعة بأكثر مما هو معتاد، وملابس تضيء وسمعت صوتاً يواسيها وهنا ماذا يقول هذا الصوت (الملاك)

” يا امرأة لماذا تبكين” (يو20: 13) ومن خلال كل هذه الظروف والملابسات وكأن هناك باباً انفتح أمامها، أخذت تُستَدرج شيئاً فشيئاً إلى معرفة القيامة وقد أغراها طريقة جلوسهما إلى توجيه السؤال لهما، لأنهما كانا يبدوان لها عالمين بما حدث، وخصوصاً أنهما لم يكونا جالسين سوياً، بل مفترقين الواحد عن الآخر ولأنه لم يكن من المحتمل، أن تبادرهما هي بالسؤال أولاً لو لم يكن قد بدءا هما بسؤالها، ولأنها رأتهما جالسين منفصلين عن بعضهما، ذلك ما جعلها لا تتهيب الحديث معهما. وهنا ماذا قالت؟ أنها تحدثت بحرارة ومحبة.

” أنهم أخذوا سيدي ولا أعرف أين وضعوه” وكأنها تسألهم ما قولكما؟، أنكما لا تعرفان بعد شيئاً يتعلق بالقيامة، ولكني أعتقد أن لديكما فكرة عن المكان الذي وُضع فيه؟ وهنا يبدو لكم – أيها الأخوة- في وضوح أنه لم يكن بعد قد تسامى بها الفكر إلى إدراك الاعتقاد السامي في القيامة.

” ولما قالت هذا التفتت إلى الوراء فنظرت يسوع واقفاً ولم تعرف أنه يسوع” (يو20: 14) وترى لأي سبب وبينما كانت توجه الحديث إلى الملاكين، وقبل أن يجيباها التفتت إلى الوراء؟ وعلى حسب ظني، أنه عندما ظهر يسوع خلفها، أصيب الملاكان بالرهبة، وأنهما إذ رأيا حاكمهما والمتسلط عليهما، ظهر ذلك على هيئتهما وحركتهما، وبدا أنهما رأيا الرب، وهو ما لفت نظر مريم وجعلها تلتفت وراءها. ولقد كان من الحكمة أن يراه أولاً الملاكان، وليست مريم، كما اتضح من اعتقادها أنه البستاني، فإنه من المعقول والمنطقي أن نقود مثل هذه المرأة ذات التفكير البسيط الضحل إلى الأفكار العالية السامية، بلطف وهوادة وليس دفعة واحدة.

“يا امرأة لماذا تبكين من تطلبين” (يو20: 15) ومن ذلك يتضح أنه كان يعلم ما الذي تريد الاستفسار عنه وجعلها تجيب بنفسها. ولأن المرأة (مريم) فهمت هذا، فهي لم تذكر اسم يسوع مرة أخرى، ولكنه، وكأن سائلها يعرف الغرض من سؤالها، أجابت وقد ظنت أنه البستاني

” ياسيد إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه” وهي هنا لا تزال تتحدث عن أخذه ووضعه، وحمله، وكما يكون الكلام عن جثمان ميت إن كان معنى كلامها هو إذا كنت قد أخذته وحملته خوفاً من اليهود، فقل لي، وأنا آخذه، وكم كانت محبة وشفقة هذه المرأة، رغم ذلك لم يكن هناك ما يُعَد تفكيراً سامياً بدا عليها لذلك صارحها السيد الرب بالأمر، لا بالرؤية والنظر، بل بصوته له المجد لأن الرب كان في وقت من الأوقات معروفاً لدى اليهود وفي وقت آخر لم يكونوا يشعرون به رغم وجوده بينهم، كذلك الأمر فيما يتعلق بالكلام. إذ إنه له المجد، وعندما يريد، يجعل نفسه معروفاً لدى الناس، وكما سبق وقال لليهود ” من تطلبون؟”

هم لم يعرفوا لا الوجه ولا الصوت إلى أن أراد هو ذلك، وكذلك كان الحال في هذه الواقعة وناداها باسمها “قال يسوع يا مريم(يو20: 16) ويقصد لومها وتأنيبها على تلك الأفكار والتي تدور في رأسها، عن من كان “حياً” وهنا ماذا حدث.

” فالتفتت تلك وقالت له ربوني الذي تفسيره يامعلم” (يو20: 16) ويبدو لي أنها بعد أن قالت ” أين وضعته” استدارت نحو الملائكة لتسألهما لماذا هما في ذهول ودهشة وعندما ناداها يسوع باسمها، جعلها تتحول عنهما نحوه، وكشف لها عن شخصيته بصوته، لأنه عندما ناداها ” يامريم” عرفته، وبذلك كان التعرف عليه من صوته لا من هيئته، إذا كان لأحد أن يتساءل كيف اتضح لك أن الملاكين أصيبا بالخوف، ولذلك التفتت المرأة خلفها؟ ” فعليهما أن يعلما -في هذا الصدد- ” أنها كانت سوف تلمسه وتسقط راكعة عند قدميه. وهو ما يتضح من قوله ” لا تلمسيني…” تماماً مثلما اتضح القول من عبارة أنها التفتت إلى الوراء.

ولكن لماذا قال يسوع لها ” لا تلمسيني”…. يتبع

عن admin

شاهد أيضاً

تربية الأطفال في تعليم القديس يوحنا ذهبي الفم

فحص البواعث التي تحركنا إن الأب * يفكر في كل الوسائل، ليس التي بها يوجه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *