فحص البواعث التي تحركنا
إن الأب * يفكر في كل الوسائل، ليس التي بها يوجه حياة الطفل بحكمة، بل التي بها يزينه ويلبسه الملابس الجميلة والحلي الذهبية. لماذا تربي ابنك على هذه الرفاهية وهو لايزال يجهل معنى هذا البذخ؟ إن الحاجة هي إلى المرشد القوي الذي يوجه الصبي، وليس إلى المال الذي يغرس فيه منذ البداية الولع المفرط بالثروة، ويعلمه ويثير فيه الانتباه إلى الأشياء عديمة المنفعة. لماذا تحيك ضد ابنك أكبر مؤامرة خيانة مثل هذه؟ لأجل هذا السبب فنحن نرى الآن الرذيلة يصعب التخلص منها لأنه لا أحد يعتني بأولاده، أو يتحدث إليهم عن العفة والرزانة أو عن احتقار الغنى والصيت، أو عن الوصايا المسجلة في الكتب المقدسة.
في يومنا هذان كل إنسان يبذل أقصى جهده لتدريب ابنه على القانون والآداب والحديث، أما عن تدريب نفسية هذا الابن في الفضيلة فلم يهتم أحد بذلك.
هنا يؤكد القديس يوحنا ذهبي الفم على موضوعين رئيسيين يظهران في كتاباته: أولاً: إن الوالدين مسؤولان عن تربية أولادهما. ثانياً: ينبغي عليهما توجيه أولادهما نحو الحكمة.
وليس فقط يجب على الوالدين أن يكونا ” مرشدين حازمين” بل ينبغي عليهما أيضاً أن يكونا ” ناقدين غيورين”، ويجب أن يشكلا الطفل، فالوالدان ( حسب تعبير القديس) هما: ” مثل صانعي التماثيل، يزيلون الزوائد ويضيفون النواقص، يفحصون أولادهم يوماً بعد يوم ليروا أية صفات جيدة حصلت عليها طبيعتهم حتى يكثروا منها، وأية أخطاء حتى يستأصلوها” ولكي يكون الوالدان مدرّبين صالحين، ينبغي أن يتحققا من الأولويات في تدريبهما لابنهما: هل نريد لأولادنا أن يكونوا مشغولي البال باكتساب الماديات والشهرة الاجتماعية أولاً، أم نريد لهم أولاً أن يبحثوا و ” يتعلموا عن ملكوت السموات والمكافأة العظمى التي تنتظر الذين يعيشون الحياة الرزينة؟” ليس “الكفاف” هو القضية، ولكن الإفراط ومدى ما نضيعه من وقت وطاقة والترفّه، مقابل قلة ما نصرفه من أجل البلوغ نحو الحياة الفاضلة.
فضائل ورذائل
يحصي القديس عدة خصال جيدة أو فضائل يمكن للوالدين ان يساعدا الأولاد على بلوغها، وسجايا رديئة وانفعالات للتخلص منها. ومن الفضائل: الاعتدال ( وعلى الأخص في الطعام والشراب)، الازدراء بالثروة والشهرة، اللطف، التقوى، السمو في الكلام، الرصانة، الاستقامة، تمجيد الله، الصلاة، الوقار، قمع الذات، البساطة، الرزانة، الحكم السليم على الأمور، الثبات، الشكر، الفهم، التيقظ، العفة. ومن الخصائل الرديئة: السّكر، ذلاقة اللسان، الحماقة، الحقد، العجرفة، إيذاء الغير، الخلاعة، كلام الفسق، المشاكسة، التهور، الانحلال الخلقي، حدة الطبع، الافتراء، الإغاظة، الحَلف. ومن المهم أن نتذكّر أن هذه الفضائل والرذائل تؤثر في حياة الطفل ككل، إن في أعماله أو في كلامه أو في تصرفاته. ويركز القديس عليها عندما يتكلم عن حواس الطفل التي من خلالها [إما أن تفسد الأفكار أو توجَّه توجيهاً سليماً]. والحكمة هي ” المبدأ الرئيسي الذي يتحكم في كل شيء”. فالوالدان يجب أن يوجها الابن إلى ان يكون حكيماً في البلوغ إلى الفضائل السماوية وفي الجهاد ضد الرذائل وينبغي أن يساعداه على التمييز بينهما، كما ينبغي ان يعلماه عن “الله وكل الكنوز المذخرة في السماء، وعن الجحيم والملكوت اللَذين في العالم الآخر” والكائنَين لأجل الحكماء وغير الحكماء.
فلنغرس فيهن إذاً، هذه الحكمة وندرّبه عليها، حتى يحذر النزوات الجسدية وحب الثروة وحب الصيت والشهرة والنزوع إلى التسلط، بل ويزدري بها، ويجاهد نحو ما هو أسمى. إن خوف الله والقدرة على رصد هذه الاهتمامات البشرية يكفيان لأجل الحكمة.
- *ربما كان قراء القديس يوحنا ذهبي الفم هم الآباء المهتمين بالتعليم الأساسي لأولادهم، لذلك فهو يوجه معظم كلامه إلى الآباء والأبناء. ولكن ليس معنى هذا أن الأمهات مستثنيات من عملية تربية الأبناء، أو أن البنات يختلفن عن الأولاد في هدف التربية. ومع ذلك فإن القديس يوحنا يوجه كلامه أحيانا إلى الأمهات والبنات ويتحدث عن العمل المشترك للوالدين