الرئيسية / كلمة منفعة / مقالات إيمانية / حياة القديس البار الناسك مارون

حياة القديس البار الناسك مارون

اهتمّ أباطرة الروم باكرام هذا القديس العظيم واعطاءه حقّه الواجب، ففي العام 536م، في عهد الأمبراطور البيزنطيّ جوستينيانوس الكبير، بُني ديرٌ هامّ على اسم القديس مارون في “ارمناز” (محافظة ادلب) احتلّ مكانة عظيمة في سورية الى جانب دير “مار سمعان العمودي”. وكان الأمبراطور مركيانوس قد أمر في العام 452م بإشادة دير بالقرب من أفامية (محافظة حماه الآن) على اسم مار مارون. وهناك غالباً أديرة أخرى، إلا أن أشهرها هو الدير المذكور الذي اختفت آثارهُ كلياً، فلا يهتدي الباحثون اليوم الى أطلاله. والجدير بالذكر أن لغة رهبانه كانت اليونانية. فالبقعة كانت تنتمي للثّقافة اليونانيّة.

✧ بعد انتهاء الإمبراطور هرقل من حربه مع الفرس سنة 628م وطوافه في ولاياته الشرقية من أجل أن يروّج للتعليم حول “المشيئة الواحدة” في محاولة منه لايجاد صيغة اتفاق مشتركة تنهي الخلاف ما بين الخلقيدونيين واللاخلقيدونيين، استقبله في حمص رهبان دير مار مارون عند نهر العاصي سنة 631 م بحفاوةٍ بالغة وأيّدوه في دعوته فأوقف لديرهم أراضي واسعة، واعتنق تلامذة مار مارون المذهب الهرطوقيّ القائل بوجود مشيئة واحدة في شخص المسيح، هي المشيئة الإلهية فقط (باليونانية: المونوثيليت= المشيئة الواحدة).

✧ عندما احتلّ العرب سورية وتأكّد لهم أن السريان اليعاقبة ليسوا من أنصار امبراطور الروم في القسطنطينية، أيّدوهم ضدّ الموارنة مؤيّدي مجمع خلقيدونية، فهرب هؤلاء على فتراتٍ متتالية واعتصموا بجبل لبنان في أعاليه الشمالية القريبة من وادي العاصي. وبعد صدور قرارات المجمع المسكوني السادس ورفض الإمبراطورية الروميّة لمذهب القائلين بالمشيئة الواحدة، ازداد نزوح الموارنة إلى جبال لبنان، ومع الزمن ارتبط اسم الموارنة بلبنان.

✧ بُعيدَ احتلال العرب وسيطرتهم على المشرق المسيحيّ، مرّت البطريركية الانطاكية الأرثوذكسية بفترة عصيبة تمثّلت بشغور الكرسي البطريركي الأنطاكي لمدة طويلة، فأقام رهبان دير مار مارون أحد رهبانهم المدعو “يوحنا مارون” بطريركاً على أنطاكية سنة 685م فكان الأول في سلسلة بطاركتهم وبداية نشأة “الطائفة المارونية”. أما الروم الأرثوذكس الانطاكيين فأقاموا ثيوفلس بن قنبرة بطريركاً على انطاكية وسائر المشرق.

✧ عندما غزت حملات الفرنجة (الصليبيين) المشرق، وجد فيهم السريان الموارنة السَنَد الوطيد ضدّ خصومهم، فتحالفوا معهم، وأعلنوا خضوعهم التامّ لكرسيّ روما وسلطة البابا المطلقة، فتخلّوا عن بدعة المشيئة الواحدة سنة 1182م وبالمقابل اعتنقوا كامل تعاليم البابوية مشكّلين فرعاً من فروع الكثلكة. وكان هذا نواة علاقات الصداقة التاريخية التي ربطت موارنة لبنان بدولة فرنسا حتى يومنا هذا. ومع الزمن تمّ التقارب التدريجيّ مع اعتقادات البابوية الكاثوليكية وطقوسها، ورغم أن الموارنة يعترفون بالسريانية كهويّة مشرقية وثقافية ولغوية لطائفتهم، الّا أن طقوس اللاتين وعاداتهم وممارساتهم تغلغلت كثيراً في الطائفة المارونية الى درجة “ليتنة” طقوسها وفكرها اللاهوتي و”غَربَنَتِه” (أي جعله غربياً)، وممّا ساعد على ذلك هو المدرسة اللاهوتية التي أُنشئت في روما لتثقيف أبناء الطائفة سنة 1584م.

عن admin

شاهد أيضاً

مريم المجدلية عند القبر الفارغ (العظة 86 للقديس يوحنا ذهبي الفم)

مقتطف من العظة 86 لتفسير انجيل القديس يوحنا للقديس يوحنا ذهبي الفم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *