الرئيسية / كلمة منفعة / مقالات إيمانية / “ذكر الله شي ومحبته شيءٌ آخر” القديس سمعان اللاهوتي الحديث

“ذكر الله شي ومحبته شيءٌ آخر” القديس سمعان اللاهوتي الحديث

كلّما جنح الذهن إلى الاعتداد بالذات وتورط فيه متصوراً في تحمسه أنه شيءٌ، انسحبت منه حالاً النعمة التي كانت تنيره بصورة منظورة، وتركته مقفراً. فيتلقى للتو برهان ضعفه إذ تنقضّ الأهواء عليه مثل كلاب برية محاولةً أن تبتلعه. فيرتبك وليس له موضعٌ يهرب إليه لينجو فيلجأ بالاتضاع إلى من يقدر أن ينقذه: إلى الرب.

عدم اشتهاء شيء من مطربات العالم وملذاته يختلف عن ابتغاء الخيرات الأبدية وغير المنظورة. هذا شيء وذاك شيء آخر. لأن كثيرين يرذلون الأولى ولكن قليلون جداً يهتمون بالثانية.

إن كان الهرب من مجد الناس ( يو ” 12: 43) وعدم السعي إليه حسناً، فالتعلق بمجد الله شيء آخر. والفرق كبير بينهما، فإن كثيرين قد نبذوا المجد الأول لأن أهواءً أخرى استولت عليهم، ولكن قليلون جداً استحقوا الثاني بكثرة تعبهم وجدّهم.

إن الاكتفاء بلباس بسيط وعدم ابتغاء لباس بهي شيء وارتداد نور الله شيء آخر. هذا شيء وذاك آخر. فإن البعض تجاذبتهم مشتهيات كثيرة فأهملوا بسهولة ابتغاء لباس بهي. لكن لا يلبس نور الله سوى الذين يسعون إليه دون انقطاع متجشمين أتعاب التوبة الكثيرة، وقد غدوا بني النور والنهار (اتس 5:5) بحفظهم للوصايا

أن تتكلّم باتضاع شيء وأن نكون متضعين شيء آخر، ثم التواضع شيء و زهرة التواضع وثمرته شيء آخر. و أخيراً جمال هذه الثمرة شيء ولذة جمالها شيء آخر، وآخر أيضاً طاقتها، وإن بعض ما ذكر في مقدورنا هو أن نذكر كل ما يقودنا إلى التواضع ونقصده ونقدره ونفعله، أما المتواضع المقدس مع موكب المواهب والطاقات الخاصة به فهو عطية من الله. لا يأتينا من لدننا ولن يستحقه أحد يوماً إن لم يبذل أولاً كل ما في وسعه على وجه كامل.

عدم اغتياظنا للشتائم والمحن والأحزان حسن، ارتضاؤنا اياها شيء والصلاة من أجل مسببها ( متى 5:44) شيء آخر، أن نحبهم من عمق النفس شي وأن نزيد على ذلك بأن يرتسم فينا وجه كل منهم وأن نقبلهم كأصدقاء حقيقيين، بدون أي أثر لأي مضض شيء آخر، وأجمل من هذا كله أن نبقى أثناء المحبة عينها على موقف واحد ثابت خال من القلق إزاء من يشتموننا في وجهنا ويتهموننا ويحكمون علينا ويسفهوننا ويبصقون علينا أو حتى إزاء الذين يبقون على مظاهر الصداقة لنا ولكنهم يسلكون في الخفاء مسلك الآخرين نفسه غير قادرين على إخفائه بالكلية و أخيرا أن الفعل الأكثر ثواباً والفائق التشبيه هو، على ما يبدو لي، أن نستتر بالنسيان الكامل ما عانيناه وألا نذكر شيئاً مما حدث سواء في حضرة مضايقينا أو في غيابهم، وأن نقابلهم هم أيضاً كأحباء في اللقاءات والولائم بدون أية دعوة إلى الماضي.

ذكر الله غير حبّه، و كذلك مخافته غير حفظ وصاياه. إلا ان هذه كلّها، وإن اختلفت، تجتمع معاً في الكاملين الذين بلغوا اللاهوى.

الامتناع عن الخطيئة شيء و حفظ الوصايا شيء آخر. فحفظ الوصايا خاصةً للذين يجاهدون ويعيشون إنجيلياً. أما عدم الوقوع في الخطيئة فهو فقط للذين بلغوا إلى تخوم اللاهوى.

ليست الغربة الحقيقية اعتزال العالم بالانتقال من مكانٍ إلى آخر، هذا شيء وتلك شيءٌ آخر. فالانتقال من مكانٍ إلى آخر يلائم المجاهدين حين يدفعهم إليه إما إقصاء الكسل وعدم ثبات الذهن أو مزيدُ من الحرارة لرغبتهم في حروبات روحية أشد. أما الغربة فهي شأن الذين صلبوا انفسهم للعالم ولما في العالم ( غلا 6: 14) غير طامعين إلا إلى العيش مع الله وحده وملائكته على الدوام دون أية رجعة إلى أمور الناس.

عن admin

شاهد أيضاً

تربية الأطفال في تعليم القديس يوحنا ذهبي الفم

فحص البواعث التي تحركنا إن الأب * يفكر في كل الوسائل، ليس التي بها يوجه …

تعليق واحد

  1. بالفعل ذكر الله شيء ومحبته شيء آخر لكي نرضي الله أن نحب الآخر بالعطاء والمسامحة والمساعدة إن كان مادي أو معنوي وأن نكون متواضعين( من اتضع ارتفع ومن ارتفع اتضع ) لذلك المحبة والمحبة هي هبة من الله كما أحبّ الله أولاده حتى بذل َ إبنه الوحيد على الصليب ليخلّصهم من الخطيئة الأصلية ، لتكن مشيئتك يارب ارحمنا برحمتك ?

اترك رداً على Olga mestakeds إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *