الرئيسية / كلمة منفعة / مقالات إيمانية / كيف أستطيع أن أحب من يمقتني ويسيء إلي؟

كيف أستطيع أن أحب من يمقتني ويسيء إلي؟

المقالة النسكية للقديس مكسيموس المعترف

قال الأخ: يا أبت كيف أستطيع أن أحب من يمقتني ويسيء إلي؟.. لنفترض أنه حسود، ويبغي الإساءة إليّ للايقاع في فخاخه، فكيف أستطع أن أحبه؟ هذا يبدو مستحيلاً يا أبت، فمرارة الحزن ترغمني بالطبيعة أن أنفر ممن يحزنني

أجابه الشيخ: هذا يبدو في الحقيقة مستحيلاً على الزواحف والحيوانات التي تتحرك بقوة الغريزة، أما الذين خلقوا على صورة الله ويتحركون بالعقل، الجديرون بمعرفة الله ويستمدون ناموس حياتهم منه، فأمرهم مختلف، ليس فقط لكونهم لا ينفرون ممن يحزنهم بل يحبون من يكرهونهم أيضاً والرب عندما يقول: ” أحبوا أعداءكم، وأحسنوا إلى الذين يسيئون إليكم” (متى 44:5) ( لوقا: 27:6)، فهو لا يطلب المستحيل، بل الممكن، وإلا كيف يوبخ من لا يسلكون حسب الوصية؟ كذلك كان حال تلاميذه الذين جاهدوا حتى الموت من أجل محبة القريب، وصلّوا بحرارة من أجل الذين كانوا يقتلونهم. لكن بما أننا نحب أمور العالم، وملذات العالم ونؤثر الدنيويات على الوصية، فنحن لن نقوى على محبة الذين يسيئون إلينا، لأننا كثيراً ما نبغض الذين يحبوننا بسبب من تعلّقنا بالعالم، كوننا أصبحنا أدنى من الزواحف. لهذا السبب لا نقوى على السير في طريق الله، ونعجز عن إدراك مقاصده.

فقال الأخ: انظر يا أبت، ها قد تركت كلّ شيء، الأقرباء والمقتنيات والرفاهية في العالم ولا أزال عاجزاً عن محبة من يمقتني ويهملني علماً أني أجاهد كي لا أبادله الشر بالشر. قل لي إذاً، ماذا ينبغي أن أعمل كي أحبه من كل قلبي، وكي أحب كل من يسيء إلي، ويفكر فيّ بالسوء بأي شكل من الأشكال؟

أجابه الشيخ: يستحيل على المرء أن يحب من يمقته حتى ولو بدا أنه تخلى عن أمور الدنيا. ينبغي أولاً أن يدرك مقاصد الله من هذه المحبة. وإذا استطاع أن يدرك أن الرب أحبّه، وجدَّ في السير عملاً بوصاياه، عندها يقوى من كل قلبه على محبة من يمقته ويسيء إليه، تماماً كما أحب الرسل مبغضيهم بعد أن أدركوا محبة المسيح

فقال الأخ: وما هي مقاصد الرب يا أبت؟؟ أرجوك أريد أن أعرفها. أجابه الشيخ:

إذا أردت أن تدرك مقاصد الرب (من المحبة) فاسمع بتعقّل: ربنا يسوع المسيح، الإله بالطبيعة، شاء لمحبة منه، أن يصير إنساناً، فوُلد من امرأة، وصار تحت الناموس حسب قول الرسول: “…. لما حان ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة، مولوداً تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني.” (غلاطية 4:4) ولما تجسد وصار إنساناً حفظ الوصية ورفع اللعنة القديمة عن آدم فالرب الذي صار إنساناً شاء منذ البداية وحتى النهاية أن يحفظ الوصايا كإنسان. بيد أن ابليس الذي أغوى الإنسان منذ البدء، عندما رأى الرب يتسلم المعمودية على يد يوحنا، شهادة الآب ونزول الروح القدس المساوي له في الجوهر، عليه كإنسان (متى 3: 16-17) وعندما رآه يأتي إلى البرية، حاربه ظانّاً أنه يستطيع بشكلٍ من الأشكال أن يجعل المسيح يؤثر أمور العالم على محبة الله. لقد أدرك ابليس أن ثمة ثلاثة أمور تحرك كل إنسان: الطعام، المال، المجد، وبها يستطيع أن يقود الإنسان إلى الهلاك فعمد إليها ليجرب الرب في البرية ولكن ربنا انتصر وأمر ابليس أن يغرب عن وجهه (متى 14: 1-11). كان ابليس عاجزاً ان يقنعه بخرق وصية المحبة لذا عمد إلى اليهود الأشرار وذلك لإقناع الرب بالعدول عن البرية والرجوع إلى المجتمع، وذلك لجعل الرب يقدم على انتهاك وصية محبة القريب.

كان السيد يعلمنا سبل الحياة ويكرز القيامة من بين الأموات وكان يعد المؤمنين بالحياة الأبدية وبملكوت السموات
أما غير المؤمنين فكان يتوعدهم بالجحيم الأبدي وتأكيدا لذلك كان يجترح علامات إلهية ويدعو الجموع إلى الايمان، الأمر الذي جعل ابليس يحرّك الفريسيين والكتبة كي يتألّبوا ضدّه، لكونه مقت مشاريعهم. لقد ظن ابليس أن الرب لن يقوى على احتمال مكرهم، وبالتالي سينال مبتغاه عندما يقود الرب إلى كسر الوصية المتعلقة بمحبة القريب. كيف يمقت الرب الفريسيين وهو صالح بطبيعته؟ إنما لحبّه لهم، علّم ووبّخ وعمل الخير للأشرار، باستمرار، أما اولئك فكانوا يتحرّضون من ذواتهم علماً أنه كان في استطاعتهم أن يرفضوا إيحاء ابليس. بيد أنهم تعاطفوا معه بداعي كسلهم… فجدفوا على الرب، فكان طويل الأناة. تألم واحتمل صابراً وذلك كي يظهر كل أفعال المحبة. قاوم الرب ابليس بمحبة الأشرار فآثر المحبة على البغضاء. لقد جاهد واحتمل من أجلهم حتى الموت كإنسان وذلك حفاظاً على وصية المحبة. وبعد أن أحرز الفوز الأخير على ابليس توّج نفسه بإكليل القيامة، من أجلنا. هذا ما يعنيه الرسول الإلهي عندما يقول ” ليكن فيكم الفكر الذي كان في المسيح” (فيلبي 2:5). كما كتب لأهل أفسس: ” حربكم ليست ضد بشر من لحم ودم، بل ضد الرؤساء، ضد السلاطين (أفسس 12:6)”. وأيضاً: ” فاثبتوا ممنطقين أحقاءكم بالحق، ولابسين درع البر. أنعلوا أقدامكم باستعداد انجيل السلام، حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة” (أفسس 14:6).

خلاصة: إذا كنتَ تتأمل على الدوام وبانتباه ما ذكر سابقاً يمكنك أن تدرك مخططات ابليس ويمكنك أن تفهم أنه كما تتجرَّب أنت، هكذا يُجرّب اخوك أيضاً. لذا عليك أن تسامح من يُجرَّب. أما من يريد أن يجرِّبك ليقودك إلى كراهية أخيك، والذي بدوره يجرَّب، فقاومه، ولا تذعن لخداعه وألاعيبه. هذا ما يرمي إليه أخو الرب يعقوب عندما يقول: ” قاوموا ابليس، فيهرب منكم. اقتربوا من الله، فيقترب منكن” (يعقوب 7:4)

عن admin

شاهد أيضاً

تربية الأطفال في تعليم القديس يوحنا ذهبي الفم

فحص البواعث التي تحركنا إن الأب * يفكر في كل الوسائل، ليس التي بها يوجه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *